تُواصل السوق المالية مسيرتها التطويرية من حيث المهام والنطاق الجغرافي. ولمواكبة هذه التغييرات، أنشئ هيكل جديد للسوق، تحولت بموجبه شركة السوق المالية السعودية ”تداول” إلى مجموعة قابضة باسم ”مجموعة تداول السعودية” تضم تحت مظلتها أربع شركات تابعة وهي شركة ”تداول السعودية” كسوق للأوراق المالية، وشركة مركز مقاصة الأوراق المالية ”مقاصة”، وشركة مركز إيداع الأوراق المالية ”إيداع” وشركة تداول للحلول المتقدمة ”وامض” الجديدة والمتخصصة في الخدمات والحلول التقنية المبتكرة. كما نعمل حالياً على تطوير هوية العلامة التجارية للمجموعة ورؤيتها وأهدافها وبياناتها المالية.
كان عام 2020م عاماً شاقاً على الاقتصاد العالمي في مُجمله، وكذلك على الاقتصاد السعودي الذي كان عليه أن يواجه التداعيات السلبية لجائحة كوفيد-19، إضافةً إلى الآثار الناجمة عن تدني أسعار النفط وخفض الإنتاج. ووسط هذه الرياح المعاكسة، تمكنت تداول ولله الحمد، من اختتام هذا العام الصعب بإنجازاتٍ قياسية في أداء السوق والأداء المالي.
مواجهة التحديات
نعم، هو العام الحافل بالتحديات الجسام، عام 2020م، المليء بالصعوبات والأزمات والتداعيات، ليس فقط فيما يتعلق بالمملكة والسوق المالية السعودية، وإنما بمجمل الاقتصاد العالمي ونمط الحياة في كل مكان، فلقد أدت الجائحة العالمية إلى تعرض العالم لأخطر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية منذ الحرب العالمية الثانية، وقد تأثر الاقتصاد السعودي بتدني أسعار النفط وتخفيض الإنتاج، كما أدت الجائحة إلى انحسار الحركة والنشاط التجاري. ورغم كل ذلك، تمكنت تداول بحمد الله، من اختتام هذا العام المضطرب، بإنجازاتٍ ومعدلاتٍ قياسية في أداء السوق والأداء المالي، حيث تم اتخاذ كافة الإجراءات الممكنة للحفاظ على استمرارية الأعمال، وذلك من خلال تقليص ساعات التداول مع الحرص التام على تفادي أي تأثير سلبي على أحجام التداول ومستويات السيولة.
لقد بلغ متوسط القيمة المتداولة اليومية في عام 2020م ما يقارب الضعفين ونصف، مقارنةً بالعام السابق 2019م. كما تمكنت تداول من الاحتفاظ بمكانتها بين أكبر عشر أسواق مالية على مستوى العالم، فضلاً عن تعزيز موقعها الريادي كواحدة من أكبر أسواق المال الثلاث الرائدة على مستوى الأسواق الناشئة، كما سجلت عمليات التداول تنوعاً في تفضيلات المستثمرين، وذلك من خلال انخفاض تركيز القيمة المتداولة في أكبر ثلاث قطاعات.
وعلى الرغم من الرياح المعاكسة، استمرت تداول في تعزيز مكانتها وخطواتها الواثقة لتصبح سوقاً مالية أكثر تقدماً. فبعد الانضمام إلى مؤشرات الأسواق الناشئة إم إس سي آي و إس آند بي في عام 2019م، أتمت في عام 2020م عملية الانضمام إلى مؤشر الأسواق الناشئة فوتسي. كما تم خلال نفس العام إنجاز مرحلة تطويرية بارزة تمثلت في إطلاق سوق المشتقات المالية، ومن بينها المؤشر السعودي للعقود الآجلة 30 ضمن مؤشر أم تي 30 الذي تم إطلاقه في عام 2019م.
تلك فقط كانت مجرد بداية، حيث يلوح في الأفق المزيد من برامج التطوير والإنجازات، كما أن إدخال مشتقات العقود الآجلة، سيكون له تأثير إيجابي على الحد من تقلبات السوق. يُضاف إلى تلك التحسينات، تعديل حدود التقلبات اليومية للسوق الرئيسية والسوق الموازية ”نمو” من خلال التأكيد على التسعير العادل وحماية المستثمر. وقد كان لهذه المراحل التطويرية وغيرها أطيب الأثر في تعزيز صورتنا ومكانتنا لدى مجتمع المستثمرين المحليين والدوليين.
هذا، وتتضمن مراحل التطوير الرئيسية كذلك بداية عمل شركة مركز مقاصة الأوراق المالية (مقاصة)، والتي تعمل كوسيط بين الأطراف المتقابلة في عملية التداول ولتقليل مخاطر الطرف المقابل. كما تقوم أيضاً بإجراء مقاصة للصفقات على أساس متعدد الأطراف، مما سيقلل من عدد المعاملات، سواء المعاملات النقدية أو الأوراق المالية، بما يساهم في تحقيق أحد الأهداف الرئيسية لخطة تطوير القطاع المالي، حيث سهلت المقاصة أيضاً إدخال المشتقات من خلال تنفيذ مقاصة العقود الآجلة للمؤشر.
كما قدمت شركة مركز إيداع الأوراق المالية، ”إيداع” خلال عام 2020م، المزيد من الخدمات المبتكرة، حيث أنشئ إطار مؤسسي، من خلال مذكرة تفاهم مع شركة كليرستريم (Clearstream) للخدمات المالية لتسهيل الوصول إلى سوق الديون للمستثمرين الأجانب. من جانبٍ آخر، ساهمت شركة ”إيداع” في تمكين المستثمرين الأجانب، من خلال إيصالات الإيداع، من الاحتفاظ بالأوراق المالية السعودية وتداولها في أسواق الأسهم الخاصة بهم دون تسجيلهم في تداول.
ودائماً، تأتي ثروتنا من الموارد البشرية، في صميم التوجهات الرئيسية لاستراتيجية تداول. حيث تحققت في عام 2020م، وعلى الرغم من الرياح المعاكسة، معظم الأهداف الاستراتيجية المتعلقة بالموارد البشرية. وعندما حالت الظروف دون العمل في المواقع العادية، كان لابد وبسرعة، من إدخال أساليب عمل جديدة، حيث تحققت بنجاح عملية الاستفادة المُثلى من التقنية لإجراء التغيير المطلوب، من خلال أداء وإبداع كوادرنا المتميزة التي ارتقت إلى مستوى التحدي والمسؤولية.
يعد استكمال الإدراج في مؤشر فوتسي راسل (FTSE Russell) للأسواق الناشئة وإطلاق سوق المشتقات من الإنجازات الرئيسية التي حققناها خلال عام 2020م.
الخدمات المساندة
وحيث تتواكب مهامنا التقنية بشكل واضح مع استراتيجية ”تداول” وركائزها ومبادراتها، فقد تمكنا خلال عام 2020م - بالرغم من كل التحديات التي واجهناها بسبب الجائحة - من تنفيذ جميع المبادرات والأهداف الرئيسية. كما تعاملنا بنجاح مع المتطلبات غير المتوقعة، مثل توفير أجهزة وبرامج جديدة للعمل عن بعد. كما تم إجراء تحسينات كبيرة لتوفير المعلومات عن السوق، وكذلك تحليلات البيانات بصورةٍ أكثر تطوراً وفي الوقت المناسب، حيث استكمل مركز البيانات الجديد، وهو من المعالم الرئيسية على طريق التطوير.
نتطلع إلى الأمام
ومع اجتيازنا للعواصف العاتية، وتحقيقنا لمنجزات تتحدث عن نفسها بكل وضوحٍ وجَلاء، يتأكد ولله الحمد، ما تتميز به ”تداول” من القوة والمرونة والإبداع، فلقد كان لمنجزاتنا التي تحققت خلال السنوات القليلة الماضية أطيب الأثر في توفير أساس قوي يمكننا البناء عليه بمعدلاتٍ أكبر، فلدينا الكثير من الطموحات والأهداف التي نتطلع لتحقيقها من خلال تقديم الجديد من المنتجات والخدمات، بالإضافة إلى تعزيز علاقاتنا وروابطنا الإقليمية والعالمية. هناك أيضاً إمكانية كبيرة تلوح في الأفق، لتوسيع سوق المشتقات من خلال العقود الآجلة للأسهم الفردية، وعقود الخيارات، وإدخال صانعي السوق في القريب العاجل.
لقد قطعنا شوطاً بعيداً في هذه الرحلة بانضمامنا إلى مبادرة الأسواق المستدامة في عام 2018م. مما أتاح لنا المجال للتواصل وتبادل الخبرات. وصيغت برامج الحوكمة الثلاثية (ESG) في تداول ضمن إطار أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (UNSDGs)، حيث حددت ستة أهداف للتنمية المستدامة كمجالات للتركيز. بالإضافة إلى ذلك، تم خلال عام 2020م، وعلى الرغم من القيود التي فرضتها الجائحة، قبول أربعة محاور هي الاقتصاد والتعليم والمجتمع والبيئة من أجل صياغة وتنفيذ برامج محددة في هذا الشأن.
شكرٌ وتقديرٌ وامتنان
وختاماً، أتقدم بوافر الشكر والتقدير لسعادة الرئيس التنفيذي، وأصحاب السعادة أعضاء مجلس الإدارة، على تفانيهم وحرصهم على مضاعفة الجهود لمواجهة الظروف الصعبة والتداعيات الناتجة عن الجائحة. كما أعبر عن فائق الامتنان لإدارة الشركة وعملها الدؤوب للحفاظ على استمرارية الأعمال رغم كل التحديات، مع وافر التقدير لهيئة السوق المالية ودورها التنظيمي الرائد الذي يتم تنفيذه بكل جدارة وحكمة. كما أعبر عن اعتزازي بكوادرنا المتميزة والمبدعة من منسوبي الشركة، لما يتسمون به دائماً من الالتزام والمرونة والقدرة على التكيّف مع المتغيرات وظروف العمل الجديدة، ومَن ثَمّ مواصلة التألق والإنجاز، مع تقديرٍ يتواصل لأصحاب المصلحة والمصدرين والمستثمرين والوسطاء وأمناء الحفظ ومقدمو الخدمات، لدورهم المحوري في الحفاظ على استمرارية الأعمال من خلال ثقتهم في السوق. وهكذا، نواصل جميعاً وعلى بركة الله، رحلتنا في خدمة الاقتصاد الوطني، مُنطلقين إلى آفاق جديدة من الإنجاز خلال عام 2021م، فخورين بدورنا ومشاركتنا كفريقٍ واحد، في تحقيق رؤية المملكة 2030م.
والله وليّ التوفيق.
سارة بنت جمّاز السحيمي
رئيس مجلس الإدارة